السبت، 29 يونيو 2013

بمقدار .

بمقدار سعادتي يتسع الكون و بمقدار إبتسامتي يصبح مبهماً و غير واضح أ حلو هو أم مر .. أ واسع أم ضيق ..و بمقدار ضحكتي يحلو .. و بمقدار ألمي ينغلق تماماً .. إلا فتحة تلوح من بعيد .. و لأنها بعيدة تبدو ضيقة .. و ربما لو خرجت تبدو أكبر مما تصورت .. لا أعرف ما اسمها لكني أعرف صاحبها .. و صاحبها هو صاحبي و ربي .

النعاس .

الشعور بالهدوء و بقلة التفاصيل و بخفوت الأضواء و ظهور لون واحد تختاره ليظهر أمام عينيك .. و صوت واحد تختاره ليتسلل إلي أذنيك .. و كلام واحد يمشي إلي عقلك في الظلام الذي لا تري فيه إلا لوناً قد إخترته .. إنه اختيار الحياة التي تتمثل في تلك اللحظة في عدم وجود الحياة .. و ذلك الشيئ البعيد المدعو الزمن يختفي تماماً و يذوب لتتخذ خواطرك مكانه و تصبح هي زمنك .. تنتهي فينتهي يومك و تبدأ فيبدأ..

ايها الملك .

أيها الملك .. أعلم أنك قد سمحت لي بالتحدث و أعلم أيضاً أنك تسمعني .. أعلم أنك تراني و أعلم أنك ترقبني أعلم بوجودك و أشعر به ..أشعر بك و بنورك أشعر برحمتك التي توسع في قلبي و أشعر بحنانك الذي ينحني له قلبي .. أشعر بقوتك التي يثور قلبي حين يراها يضطرب و يصبح غير منتظماً و مبعثراً في أرضك.. أشعر بحبك .. أتعلم أشعر بك حين  أتنهد و أغلق عيني و حين تدمع عيني أراك .. أراك في كل ما حولي و من حولي .. أراك حولي تحيطني و ترفع الأرض من تحتي و ترتقي بي إلي حيث لا أدري و أذوب في كون خلقته لمن هم مثلي و كون أخر خلقته لي أنا فقط .. توحد العوالم من أجلي و تجمع لي أفضل ما خلقت لتغمرني في شيئ لا أعرف اسماً له و لا توصيف .. أبدو فيه كالغريق لا أسمع شيئاً و فمي يمتلئ بهذا الشيئ الذي غمرتني فيه .. أرتعش لمجرد التفكير فيك و أبدو هزيلاً أمام شجرة بجانبي .. أبدو كقارورة فارغة حطمتها إطارات سيارة مرت منذ زمن بعيد .. هذا  الضوء الذي ينبع من مصباح بسبب زيت ناعم يكاد يضيئ .. هذا أنت .. أنت ذلك الجمال .. لا أنت أجمل من الجمال .. هذا البهاء الذي تضفيه كل تفصيلة فيك و في العالمين عليك يشعرني بحجمي .. أنت تعرف أن السماء قد استمدت منك الجلال و الأرض قد استقته .. أنظر إلي سمائك ... ما كل هذا ؟؟!! .. تغطيني بوشاح ازرق صاف و ترسل من خلاله رسائلك لي .. أريد شيئاً واحداً .. أريد ألا يبقي بيني و بينك وشاح .. أريد أن أري كيف بكائي حين أري من كان يحبني بحق .. أريد أن أري نفسي .. أريد أن أشعر بالموت الذي سيصل إلي حين أراك .. أريد أن أراك .. أريد أن أري من كان يحبني بحق .
وجهك ...
و صفاتك تتجسد أمامي ..
و رضا ..
فقط.
لا أريد الدنيا .. و ما فيها .. فقط أريد ذلك .
أنت تعلم أني أحبك ..و تعلم أني لا أفعل كثيراً بتلك الكلمة ..و لكن تعلم أني أحبك .
أفلاكك و أفلاكي لا يتقابلان كثيراً و لكنها حينما يتقابلان يتجانسان و ينصهران في بعضهما البعض .. أريد أن أراك لأشعر بالتجانس و ذلك الإنصهار الذي سيمتلك قلبي .. شيئ أخير أيها الملك .. أريدك أن تضحك لي ذات يوم و تقول : أشهدكم يا ملائكتي أني أحبه فأحبوه .

قد أطلت و لكني قد نفذ مني البصر و لا أريد أن تنفذ البصيرة .. و قبل الرحيل .. التحيات لك و الصلوات و الطيبات لك . أحبك أيها الملك .

السبت، 15 يونيو 2013

أنا .


أنا العاقل و المجنون
أنا الدوشة و السكون
أنا السجن و المسجون ..
أنا الأنا و المليون..
أنا الظلم و المظلوم
. أنا الغريب اللي مستغرب خياله
و انا الأب اللي مستحمل عياله
و الشهيد الي مش شايف جماله
و العقول اللي مش رافضه الحقيقة
و البيوت اللي مبنية في دقيقة و الشجون
أنا أشجان ثايرة جوه قلبي المرضان
و انا الفرحة اللي مش لاقية فرحان
شايفني و مش ونسان غير بصورة في خيالي
عارفني و مش جاهل غير بحلم في خيالي ..
خيالي ده الملك .
و أنا عبده ..
و صوتي ده كان في يوم مش عبده ..
و مافهمتش إيه أنا عايزه ولا إيه أنا فاقده.
غير إن أنا عبده .

إنه المجوف من داخلي و المليئ من الخارج

فقاعة كبيرة .

زحاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااام ..... قلتها و أنا أصرخ في وجهي .. كلي يتكالب

 علي و الوسيلة المثلي لقتلي هي تهشيم جمجمتي المزدحمة بالأفكار

و في عالمي .. عالمي أنا فقط . أبدو إعصاراً ... أبدو ككل شيئ رأيته من قبل .. من

 الصخرة إلي الماء .. إلي البكاء و البسمة الناقصة


و لكن إطمئنوا سأموت في عالمي يوماً ما .. لن أزعج أحداً.


شكراً للمزيج من البشر الذين مروا علي

و سلام

علي قبل الرحيل .

الخميس، 6 يونيو 2013

مات حسن .

"قال ربي إني وهن العظم مني و أشتعل الرأس شيباً و لم أكن بدعائك ربي شقياً " كان صوت محمد رفعت يصدح في أرجاء البيت لا يقطعه سوي همهمات الطيور التي استيقظت من سباتها حتي تأتي بالطعام لعيالها ,الشمس تتخلل سماعات الراديو و تتسرب من السلك الحديدي الذي تم تركيبه حديثاً علي الشباك بعد معاناة من الذباب ...دبيب الأطفال في صالة البيت و أصواتهم و هم يتحركون جيئةً و ذهاباً ليحضروا حاجاتهم و يفعلوا ما يفعلون .و صوتها (جميلة) و هي تناولهم بعض أدواتهم و بعض أرغفة الخبز التي إمتلأت جبناً أبيضاً و جرجيراً فاحت رائحته النفاذة منها . كانت ترتدي جلباباً فضفاضاً و تضع منديلاً فوق رأسها أضفي عليها لمسة جمال ربة بيت في الستينيات ,تتحرك بسرعة حتي لايتأخر الصغار علي المدرسة , تفكر في كل شيئ ... البيت و مصاريفه و الأولاد و : هنعمل إيه بس أما العيال دي تبقي في ثانوي ولا تكبر شوية ..أما الواد دلوقتي عايز حتة صلصال و كراسة عشان يرسموا فيها مش قادرة أجيبهمله ,و لسة دروس و مصاريف و الواد عايز يتجوز و يييييييييه ...هه (تنهدت) و أعلنت عن أفكارها بكلمة واحدة :الحمد لله .
تذكرت كلمة أبيها : العيل بينزل برزقه يا بت ...ما تخافيش , ولادك دول هيبقوا أحسن ناس بعد كدة و مشيراً بسبابته إلي أعلي : و الله يا بنتي في حاجات كده ...تهدج صوته و دمعت عيناه . في حاجات كده بتحصل مع الواحد بيبقي يعني ...نفسه يقول لربنا ..يا رب .الحمد لله ... و الله يا بنتي ربنا ما بيسيب حد.
كانت تتأثر لتلك الكلمات و أحياناً تتذكر أباها و تقول : الله يرحمه ... كان طيب ...أوي .كما قالتها الآن.
-مالك يا امه ؟؟ّ!!
-يا نهار إسود ... قهوة أبوك.. أوعي من سكتي يا واد
ضحك الصغير .
رجعت له : الحمد لله لحقتها قبل ما تفور حاكم أبوك يحبها بوش .ابتسمت بسخرية :صاحب مزاج طول عمره .
-أنا نازل يا امه ..عايزة حاجة و أنا جي؟؟
-استني يلا أبوك يصحي عشان يديك المصروف إنت و أخوك . كانت مبتسمة ...ملست علي شعره و لثمته : حبيب أمك إنت . كانت تجثو علي ركبتيها , إحتضنها بيديه و أنامله الصغيرة ...داعبت بطنه بأصابعها فأخذ يضحك مظهراً أسناناً صغيرة ... ضحكته لا تراها إلا و قد أحببتها
: يللا بقه عشان أصحي أبوك .
-حسن!!
-بس يا ولا عيب تقول كده ...قالتها مقطبة جبينها و مبتسمة في إستغراب . استني يا علي زي ما قولتك عشان أجيب لك مصروفك إنت و أخوك .
-ماشي ... أنا قاعد أهو
في حجرة النوم كان حسن يرقد في سبات عميق كشجرة في غابة إستقرت بعد قطعها ...سرير متواضع و جو روحاني ملهم , دخلت و في يدها فنجان القهوة الساخن الذي إمتلأ عن آخره حيث رأت علي الشباك حمامة تقف. الحمام خير و بركة من عند ربنا يا جميلة هكذا كانت تقول جدتها .
-طب خير خير . الحمد لله .
أقتربت من زوجها النائم .ببطئ. و بصوت خافت و جاد :
-حسن...
-............
-إنت يا عم إنت
-............
-يا .. حسن
و ضعت كوب القهوة علي ذلك الدولاب الصغير الذي يطلق عليه الناس إسم كومودينو ..إستقرت عليه زجاجة مياه نصف ممتلئة , كان متسخاً بعض الشيئ أطرقت بوجهها ناحيته ثم عادت لإيقاظ حسن .
-يا عم قوم بقه ..قالتها و هي تهز كتفه . يادي النيلة ..طب قل لي الفلوس فين عشان أدي العيال المصروف .
-...........
-يا حسن قوم بقة الله يكرمك . قالتها راجية أن يقوم من ذلك الخدر .
-ماما يلله عشان إتأخرنا .
-ماشي يا أبني بس لما أبوك يصحي بس ... إنت ما تعرفش بيحط الفلوس اللي بيديكوا منها فين ؟؟
لم يأت رد .
-يبقي ماتعرفش .
عادت فأمسكت بيد حسن .. : يا حبيبي إصحي بقه العيال عايزة ت... ما هذا يده بارده كألواح ثلج !!
-حسن ... أبوس إيدك ما تعملش الحركات دي . تكاد تبكي. بل لقد بكت بالفعل .
حسن ... و النبي قوم ..طب عشان خاطري .
تحسست معصمه و فعلت كما تراهم يفعلون ..لم تشعر بشيئ ..ربما لأني متوترة لا أشعر عادت مرة أخري .قلبته في سريره فصارت عيناه في عينيها : حسن ... طب بص مش هاخد منك مصروف للعيال طيب ... طب بص أنا جبتلك قهوة بوش اللي إنت بتحبها ...يا حسن . صرخت و هي تبكي : حسسسسن . قوم يا سندي . قوم .جثمت علي يديه تقبلها و سقطت لا إرادياً من السرير .هرع الصغير إلي الغرفة فوجدها علي تلك الحالة ركض ليري ما قد حدث .. أسقط فنجان القهوة من دون قصد : أبويا ... أبه . في ايه يا أمه ؟؟!! كان مرتعداً إلي أقصي حد : ايه اللي حصل ..؟؟!!
إنه الأنهيار هذه المرة ... إنه توقف الحياة التي دامت لسنين ...إغماض العينين و الدخول في غياهب الأسود اللامع و دق الطبول و الموسيقي الحزينة و رائحته التي رافقتها في حياتها و ملمس يده التي كانت تدفئها في أعتي ليالي البرد و تشعرها بالأمان ... إنها ملابسه التي لازالت متسخة و ملابسه النظيفة إنها الساعة الرابعة و النصف التي كان يدخل فيها البيت إنها خضروات أتي بها و لم تعجبها و تذمرت ... إنها مشادات دارت بينهما في يوم من الأيام ... إنها ضحكته العالية و هي تتكأ برأسها علي صدره بالليل و هم يشاهدون التلفاز و يتسامرو مع الأولاد و يأكلون المسليات و البطيخ . إنها كلمة إزيك يا جميلة مع إبتسامة تنسي بها مشاكلها ...إنها شكوي من زملاء العمل كان يحكيها لها و تقول له : أنت الغلطان يا حسن . إنه اسمه الذي كلما سمعته تذكرته . إنها فرحتها يوم الفرح و يوم أتي الواد البكري و الواد التاني ...إنها لحظة تسميتهم للأولاد معاً ...إنها نقود وقعت منه ذات مرة في الصالة و أرجعتها له ... إنه المصروف ... إنه تحملها لكل شيئ ما دام بجانبها و يحرسها ... إنها أحاسيسها المخطلتة : الأمان و الحب و ما بينهما من أحاسيس .
إنها حياتها ...
التي ماتت هذا الصباح.
-يعني كده بابا مش هيرجع تاني ؟؟!!
-............
-امه ....
-نعم يا إبني ... مات أبوك ... أبوك مات ... جوزي مات ...مات قبل ما يشرب قهوته و يقول لي تسلم إيدك و يسلم عليا و هو ماشي رايح ورشته . مات كده ..من غير إحم ولا دستور ..كان صوتها يعلو تدريجياً ... مااااااااااااات .
يا رب ....................
كانت آخر ما تقول قبل أن يغشي عليها . ولا تسمع نحيب الأطفال عليها و علي أبيهم ... حسن .مات .
و إختتم الشيخ رفعت : و سلام علي يوم ولدت و يوم أموت و يوم أبعث حياً .