الثلاثاء، 19 مارس 2013

ذات .

لا أعرف بالضبط ما دافعى لكتابة هذه الخاطرة ولكنها وجهة نظر أو " فزلكة " لا أعرف بالضبط قبل البدء لابد أن تعلم جيداً أننى إلا صاحب وجهة نظر تحمل الخطأ أكثر من حملها الصواب وإن كنت عزيزى القارئ لست من هواة الفلسفة أو البحث فى علوم ماوراء الطبيعة ، إن كنت تمقت علم النفس وعلم الإجتماع وكل هذه الأشياء فإنفذ بشحمك ولحمك وجلدك من هنا سريعاً ولا تترك لنا إلا نسيماً خلفته من جراء ركضك أو سيرة طيبة نتحاكى بها فى سمرنا الباسم الضاحك .
سأتكلم عن الذى أسميته " المرء بين الإنسان والحيوان " وإذا أنت قد صدمت من العنوان فأعلم أنك سلكت طريقاً خاطئاً .
إذا عدنا بالذاكرة إلى عصرنا العباسى المشين الذى أضاع كل شيئ من وجهة نظرى على الرغم من الثورة العلمية آنذاك ، إذا عدنا إليه بالذاكرة ستستوقفنا أعلاماً واضحة منها على سبيل ضرب المثل وليس الحصر الصراع بين الأمين والمأمون على الحكم فى زمن الدمار وطرق الغزاة لأبواب الوطن الخشبية المبللة عطنة الرائحة . ستستوقفنا أيضاً أحوال المأمون وزوجته وخيانتها له وسيتوقفنا كتاب الأغانى لأبى فرج الأصفهانى .
لا أعرف ماذا حقق الخليفة المأمون من إنجازات ولكن ما أعرفه أنه نشأ فى بيت هارون الرشيد أى بيت ملئ بالثراء الفكرى والمادى وما أعرفه أيضاً انه كان مثقفاً هو وأبوه هارون الرشيد ولكنه كان على غرار أبيه ... كان يبحث عن شهواته وملذاته وفضلات المتع ومع شهواته تلك يقرر أن يقوم بإغراق زوجته بعد خيانتها له ويودعها بالبكاء والأنين فكيف يجتمع هذا وذاك ؟! وإذا تأملت كتاب الأغانى الذى لم أقرأ منه سوى مقتطفات وقصاصات ستجد الشعراء وهم فنانون مرهفو الحس لامعى النفس مالكون للغة رقاق ستجدهم لهم باع طويل فى مجال المجون والشهوات بجميع أنواعها . لا أعرف كيف يصف حلاوة الزهور وطلاوة الطبيعة الخلابة صباحاً وينسج قصيدة غزل صريح ويعربد ليلاً فكيف يجتمع هذا وذاك ؟! وإذا رجعنا من غياهب العصر العباسى الأول والثانى المشينين كليهما إلى عصرنا الحالى تجد من يكون قاضياً يحكم بين الناس بالعدل ويرش التشائم من خراطيم كثيرة وهو عائد إلى بيته بعد عناء تطبيق العدل تجد إعلامياً يحمل هموم الوطن على عاتقه ويمكن أن يبكى على الهواء ويناشد المخرج أن يقطع الإرسال عن المشاهدين المتأثرين بالبكاء ثم تجده فى الليل يشرب ويدخن ويرقص ويفعل الأفاعيل فكيف يجتمع هذا وذاك ؟! كيف تجتمع الشهوات والإنسانية فى مكان واحد ؟!
كيف يجتمع الغبار فى مكان حسن الرائحة وطيب المنظر والهواء ؟!
قديماً كانوا يسألوننا عن الفرق بين الإنسان والحيوان وكنا نجيب بلا تردد : العقل... الإنسان لديه عقل والحيوان ليس لديه عقل ولكن الإنسان ذو العقل الرشيد والحكيم يصرخ فى الليل ويصدع بالأغانى الخليعة ويعربد ويشتم ويسب ويشتهى هذه المرأة وتلك وينهم طعامه ملطخاً وجهه بالزيت وبقايا الطعام ... ولديه عقل ولكن من قال أن الحيوان ليس لديه عقل ... الحيوان لديه عقل أيضاً .. يفكر ويحذر من الخطر وإستطاع أن ينقل رسائل إلى أبنائه أن السيارة ستعتصر أحشاءك وتخرج ما فيها من طعام إذا هى التقمتك تحت إطاراتها .. لقد أخذ الكثير من الوقت وأضاع الكثير من الضحايا حتى يوصلها ولكن فى النهاية أوصلها .. من نبه الذباب أن يد الإنسان لو هوت على رأسه فسوف تميته ؟! من نبهه ؟!! لذلك أظن أن الفرق بين الإنسان والحيوان ليس العقل ولكن المخ نفسه .
برمجته . إحتياجاته بمعنى أدق مخ الحيوان يريد الطعام والأمان والشراب والأنثى والحياة أطول فترة ممكنة فقط .
إن كان العقل هو المسئول عن الحزن والفرح فهذا يحدث للحيوان ولكن إذا تحققت له إحتياجات المخ وتوافقت مع برمجته من الأصل مع الحدث الذى جلب له هذا الشعور .إذا آمنا ان الحيوان له احتياجات وهى السالف ذكرها وان الإنسان له نفس الاحتياجات ويريد تحقيقها كما الحيوان . إذن فهى نظرية التطور التى لم أقتنع بها يوماً ، أرفع القبعة لداروين على المجهود المبذول ولكنى لم أقتنع . فلم أشعر فى يوم من الأيام أننى كنت دجاجة او ديكاً أو قرداً ولكن إذا سلمنا بأنه نظرية سليمة وصحيحة إذن فأنا كنت دجاجة – وشمورت كمان- لقد كنت فى يوم من الايام حيواناً !!! ولكن كيف تحولت إلى كائن آخر ؟! كيف أصبحت أنتج نتاجاً فكرياً وفنياً وإن كان ركيكاً ؟!! كيف صار التحول ؟!! لا أعرف ولكن هناك حلقة مفقودة لم أصل لها – هو- الإله لا شك ولكن نحن الأن مسلمون لداروين أدمغتنا وهو فشل فى أن يغير ما فيها او يزعزه أو على الأقل بالنسبة لعقلى أنا .
إذن ليس داروين وأتباعه لو تدبرت وتقصيت لوجدت شيئاً مختلفاً واحداً بين إحتياجات الإنسان وإحتياجات الحيوان .
هذا الشيئ هو ما يسمى بتحقيق الذات . الحيوان لا يريد ان يحقق ذاته ؟! بالطبع لا .. هو يريد ولكن من أجل إشباع إحتياجه من أجل نفسه فقط فيتصارع مع الجميع للحصول على الأنثى أو الطعام أو الأمان .. إلى آخره .
إذن هو يريد تحقيق ذاته كما الإنسان . إنما الفرق الجوهرى هو أن الإنسان يريد تحقيق ذاته لنفسه أيضاً . عفواً لا فرق سوى أنه يمتلك عشيرة يريد لها السيادة (استدراك) بمعنى أوضح : لو أخذنا رجلاً كمثال وهو يبحث عن المجد لنفسه أما المجد فيعود على قبيلته وعشيرته قامت الحروب قديماً كحرب البسوس التى إستمرت 40 سنة مما نعد نحن بنو البشر لنزاع قبيلتين .. بحث ملك القبيلة عن ذكر إسمه فى صفحات التاريخ ولكن مجده عاد على قبيلته قبل أن يعود عليه أم الحيوان فعندما يحقق مجداً خاصاً أو إنتصاراً فهو لا يعود على صنفه أو قطيعه بالنفع . فإذا حصل حمار وحشى على أجمل حمارة فى صنفه لا يعود المجد على أقربائه . إن دخلت الفيلة تحت قيادة أحدهم حرباً ضد الأسود تحت زعامة أحدهم وإنتصروا عليهم سيرى بنو آدم أن الفيلة أقوى من الأسود وسترى الفيلة  أن الزعيم القائد أقوى من الأسود .
إذا هى برمجة المخ وإحتياجاته يريد الإنسان كل شيئ كما الحيوان .. يريد الطعام والشراب والأمان والنساء والمال والملذات . ولكن الإنسان يعلم أنه أفضل كائن كان وسيكون هو المصطفى من المخلوقات هو من قدره الله من كرمه الملك .. ملك العالمين .. صنع كل شيئ .... المجرات .. مليارات السنوات الضوئية ... الرمال .. الأرض .. السماء .. كل شيئ هو من أجل هذا الكائن الذى يمكن أن يهلك فى أى لحظه من ذبابة وقفت على طعام له .
لذلك من وجهة نظرى أن الإصطفاء كان من أسباب إيداع قيمة تحقيق الذات عند الإنسان .
الذات
الأمان
الجوع
الحيوان لا يملك المثلث الأخير ... لا يقدر نفسه .. لا يعرف أن له ذاتاً . لذلك تمتهن كرامته وهو لا يعرف . الإنسان يعرف .. يعرف جيداً .. يعرف قيمة نفسه جيداً ويقدرها . ويبقى السؤال لماذا يحقق ذاته ثم يمتهنها  بيده ؟!
إذا كنت من محبى الموسيقى – وانا منهم – أو متذوقى الأدب أو مقدرى الشعر والرسم والفن بشكل عام ستعرف بعد أن تتذوق الجزء الذى تحب منه وتشعر بسكريته فى فمك وقلبك ستشعر أنك إنسان ثم .. ثم ... ثم ماذا ؟!! تنطلق فى عالم اللاشيئ .. فى سرمدية الحيوان .
تترك العلم .. الرقى .. الشعور بقيمتك .. الدين .. القيم .. وتنطلق لإشباع ملذاتك ورغباتك .
تبصق .. تتقيأ .. تدمى وتشربه – اى الدم - ... تقطع وتخرب .. تطلق سبات بذيئة ... تفرغ مثانتك فى الشارع .. تحمل السلاح .. تلتهم الطعام ... تلقى بفضلاته فى الأرض .. تتنهد .. ثم تجلس على الأريكة أو الكرسي وتشاهد المقاطع الإباحية ... تثيرك .. تثير شهوة فيك .. ترتكب الحرام ... غير مكترث بشيئ ... رائحة فمك كريهة .. أسنانك صفراء ... العرق يفوح من كل مسامك ... تضحك ضحكة ساخرة .. ثم تروح فى سبات عميق ... تستيقظ .. أنت لم تحقق شيئاً أليس كذلك .. أنت حيوان . لم تفكر لحظة فى المثلث الثالث .. الذان .. أنت ... أين أنت ؟.. لقد إنتهيت .. لم تعد إنساناً .... أنيقاً .. متجانساً ... إجتماعياً بلا عقد ولا مشاكل .. تيأس .. تنطوى ، تتمادى فى أخطائك وتستمر حتى الموت .. حتى الموت .... حتى الموت .
فقط لأنك إمتهنت الذات .. لم توازن بين الجوع .. الأمان ... الذات . لقد نسفت أعلى قيمة فى حياتك ... الذات .. فقدت نفسك وفضلت أن تكون حيواناً .. بإرادتك ذها ما أردت ولك هذا . إذن ما الحل ؟؟
الحل أن تعرف قيمة الذات .
أنت أفضل شيئ على وجه الأرض .. لا ... أنت الأفضل فى الكون ولكن .. ستظل الأفضل فى المخلوقات .
بإمكانك أن تستمع إلى English horn  أو Oboe حتى تسترخى الأن .
دوشتكوا معلهش .. بس أنا حذرتكم فى الأول .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق